الجزء الثالث والأخير رواية جديدة بقلم دعاء عبد الرحمن
بسؤال واحد فقط ..وماذا بعد ... وقعت أعينهم على رجل ملتحف ببطانية سوداء فى أحد الاركان على أرض العنبر فاقترب بلال منه بقلب مقبوض وكأنه يشعر لماذا هذا الجسد قد سجى هكذا وقبل أن يلمسه هتف أحد الرجال الآخرين من زملاء العنبر
سيبوا ده مېت
أصابتهم غصة فى حلوقهم وهم يتبادلون النظرات ..أنحنى بلال لينظر فى وجهه فوجد ما كان يعتقده ..شاب صغير فى السن له لحية صغيرة واضح عليه اثار الټعذيب بشدة أغمض بلال عينيه پألم وهو يقول
غادر أربعة مسجونين سرائرهم واقتربوا منهم متسائلين
أنتوا جايين فى ايه.. مفيش مظاهرات الأيام دى..
قال الرجل الاخر
بس حظكوا حلو والله أنكوا جايين فى الوقت ده.. لو كنتوا جيتوا الصبح كنتوا حضرتوا حفلة الاستقبال
عقد فارس بين حاجبيه وقال
حفلة استقبال أيه
قال الرجل
أومأ بلال برأسه وهو يربط على كتفهم مطمئنا ونظر لهم نظرات مطمئنة أنهم قد عبروا تلك المرحلة بأمان فمن الواضح أن صديق فارس كان يعلم هذا أيضا لذلك أمر بترحيلهم فى هذا الوقت من الليل ..شعر فارس بغصة فى قلبة وهو يرى بلاده لأول مرة بصورة حقيقية غير التى كان يراها فى الخارج .. فى خارج ذلك العالم .. عالم السجون والمعتقلات .. أخذهم زملاء العنبر إلى أفرشتهم كل واحد منهم على سرير صغير عليه بطانية خشنة ..
وبعدين يا فارس هنفضل كده لحد أمتى حتى منعرفش تهمتنا ايه
جلس أحد الرجال على السرير بجواره قائلا
لا لازم تهدى وطى صوتك اللى بيعلى صوته هنا بيتسحب على عنبر التأديب
ايه عنبر التأديب ده كمان
أبتسم الرجل وقال
اه معلش كان المفروض أشرحلكم من الاول .. النظام هنا ... السچن متقسم كذا عنبر ..عنبر التأديب وده متقسم زنازين صغيره مترين فى مترين وده بيبقى أنفرادى ..
وعنبر الجنائى ودول بقى تجار المخډرات وقتالين القټله وغيرهم وعنبر التخابر وده بقى مخصص للجواسيس وده بقى أنضف عنبر هو وعنبر القضاة وافراد الشرطة اللى بيجى هنا متهم فى قضية رشوة ولا فساد والمعاملة فيهم معاملة خمس نجوم ..
وقال
ونسيت عنبر الاخوان
ضحك الرجل بصوت خفيض وقال ل بلال
اظاهر انك جيت هنا قبل كده يا شيخ
قال بلال بجمود
جيت مرة واحدة بس عرفت كتير
كتم عمرو غضبه وقال
برضه محدش جاوبنى هنفضل كتير ومن غير ما نعرف تهمتنا ايه
طالما محدش حقق معاكوا يبقى مفيش تهمة وبما أنكوا جايين دلوقتى يبقى انتوا مش معتقلين رسمي
قال فارس بإقتضاب
يعنى أيه مش رسمي
تكفل بلال بالرد عليه قائلا
يعنى زي ما صاحبك قالك .. متوصى علينا
أقترب عمرو من فراش بلال وجلس على طرفه قائلا
مين اللى هيوصى علينا يتعمل فينا كده مين
قال بلال وهو ينظر أمامه بشرود
مش عارف يا عمرو بس الموضوع ده شكله هيطول ولازم نحاول نهدى علشان نعرف نفكر..
قال كلمته الأخيرة ثم نهض قائلا
تعالوا نصلى على الأخ اللى ماټ ده
قال الرجل الذى يحدثهم
هيجوا يخدوا جثته الفجر مع انهم عارفين ان فى واحد مېت هنا من بعد العشاء
ميرسى يا فندم ..
نطقت دنيا بهذه العبارة وهى تتناول الشيك من والد هانى المتهم فى قضية القتل
وبرقت عينيها وهى تنظر للمبلغ المدون فيه وقالت بابتسامة
حضرتك أطمن خالص أبنك هيبقى فى حضنك قريب جدا
قال الرجل بلهفة
يارب يا أستاذة ربنا يسمع منك ...
ثم قال بتساؤل
هو الدكتور فارس مجاش النهاردة ولا ايه
قالت بتمساك
الدكتور فارس مش بيجى كل يوم.. ولما بيكون مش موجود انا ببقى مكانة
أومأ الرجل برأسه متفهما وقال
المهم عندى أنه هو اللى يشتغل القضية بنفسه
رفعت حاجبيها بدهشة مصطنعة وهى تقول
طبعا يا فندم القضايا اللى زى دى الدكتور فارس هو اللى بيكتب فيها المذكرات وهو اللى بيترافع ..واحنا بس بنعمل الشغل الارى والمالى بتاعها علشان كده طلبت من حضرتك تكتب الشيك بأسمى يعنى حضرتك هتشوفوا فى المحكمة ان شاء الله ..
بعد قليل أنصرف الرجل ودخل خلفه وائل مسرعا وقال بعينين لامعتين
أداكى الشيك
ابتسمت بثقة وهى ترفع الشيك أمام عينيه ثم وضعته فى حقيبتها قائلة بقلق
أهى الفلوس بقت معانا والراجل جاب الاتعاب كلها مش نصها زى ما كنا فاكرين عاوز ابنه بأى طريقة ..يارب بقى باسم يخلصنا من القضية دى بسرعة بقى انا قلقانة أوى
قال وائل مشجعا
متقلقيش يا أستاذة.. أنت قدها وقدود والأستاذ باسم خلاص ظبط الناس مش ناقص غير الفلوس علشان ينفذوا
ربتت على حقيبتها وهى تقول
وأهى الفلوس .. يلا بقى كلمه وخليه يخلصنا
تحدث وائل هاتفيا مع باسم وأخبره أن المال قد أصبح بحوزت دنيا .. مد وائل يده بالهاتف إلى دنيا قائلا
الأستاذ عاوز يكلمك
تناولت الهاتف وقالت بتعالى
أيوا
ابتسم باسم عندما لاحظ نبرة صوتها المتعالية وقال بسخرية
طب حتى استنى لما تصرفى الشيك وبعدين ابقى اتغرى براحتك
مطت شفتيها بضيق وقالت
خير يا أستاذ باسم
بكرة هنروح نصرف الشيك سوا ونطلع على طول على سكرتير النيابة نكيشه ونخلص معاه وبعدين نقعد مع بعض ونقسم الاتعاب علينا زى ما اتفقنا ماشى ..
قالت بإقتضاب
بس هنقعد فى مكان عام مش عندك فى المكتب
أطلق ضحكة عالية أشعرتها بالاشمئزاز وقال بخبث
أيه موحشتكيش ولا ايه
أتسعت عينيها وشعرت أنها ستتقيأ عندما ذكرها بما حدث سابقا ..أغلقت الهاتف فى وجهه وهى تتمتم
حيوان
وقف صلاح ينظر إلى إلهام التى كانت تتحدث فى الهاتف بلهفة وهى تقول لمحدثها
طبعا يا باشا من رجالتنا ومينفعش نسيبه كده .. دى حتى تبقى وحشه فى حقنا وبعدين اللى موصى عليه ده مش أكبر من معاليك
صمتت بعض الوقت تستمع إليه ثم قالت بثقة
يافندم أرهاب أيه.. بقول لمعاليك من رجالتنا
صمتت قليلا ثم قالت وهى تنقر على سطح مكتبها بأطراف أصابعها بعصبية
ماشى يا فندم اللى تشوفه .. ساعتك المهم