متأكدة إن عمك عمل كدا؟ " بقلم عزة العمروسي
كنت طالعة من بيتي رايحة الجامعة ويومها سمعت أبويا بيقول لعمي: معلش هات خسمين جنيه لحد بكره!
واستلف منه عشان ميقوليش معيش فلوس مواصلاتك، خوفت أقوله مش رايحة النهاردة يشك إني سمعته!
ومن أول ما خرجت من البيت وانا دماغي بيفكر في شكل أبويا وهو بياخد من عمي فلوس عشاني، بقيت حاسة بثقل في قلبي رهيب وكأنه مليان دخان مانعه ينبض، كنت طول اليوم حاسة بخنقة وبدعي ربنا يرزقني بشغل كويس أساعد بيه أهلي.
وبرغم وجع قلبي وشتاتي بصيت للسما وقولت في نفسي:
انا هحوّش من الفلوس اللي معايا وأشتري سبحة إلكترونية، أذكر ربنا كتير كل يوم عليها وأكيد هيرزقني!
ولما فكرت في الفكرة قلبي نبض بفرحة وحسيت بإرتياح وهدوء.
لكن لما جيت أركب العربية لاقيت راجل كبير في السن واقف يعيط وبيقولي: معلش يابنتي معكيش عشرين جنيه أصل الفلوس اللي كانت معايا اتسرقت مني ومش عارف أرجع بلدي!
بصيت للفلوس اللي معايا وكنت متأكدة إني مش هعرف أشتري السبحة كدا بس توكلت على الله وقسمت الفلوس بيني وبينه وقولتله: حضرتك بتعيط ليه؟ الأمر مش مستاهل أنا زي بنتك.
لاقيته بصلي بعيون كلها امتنان وقعد يدعيلي بالرزق والنجاح وكأن ربنا أنطقه بالدعوتين دول بالذات عشان يرزقني بسببه!
خلصت يومي في الكلية وركبت المواصلات وقعدت أقول:
” اللهم من اعتز بك فلن يذل ومن اهتدى بك فلن يضل ومن استكثر بك فلن يقل ومن استقوى بك فلن يضعف ومن استغنى بك فلن يفتقر ومن استنصر بك فلن يخذل ومن استعان بك فلن يغلب ومن توكل عليك فلن يخيب ومن جعلك ملاذه فلن يضيع ومن اعتصم بك فقد هدي إلى صراط مستقيم اللهم فكن لنا وليا ونصيرا وكن لنا معينا ومجيرا إنك كنت بنا بصيرا “
وده دعاء كان أبويا بيحفظهولي في وقت الشدة بالذات!
ببص لاقيت بنت راكبة جنبي باين عليها الثراء كانت بتتكلم مع أختها في التليفون وبتقولها: متأكدة إن عمك وزع على الجيران كلها؟
وتقريبًا كدا كان جدها ميت وهي كانت شارية سبح توزعها بس لقت عمها وزع، قفلت مع أختها وفتحت الكيسة وطلعت السبح ووزعتها علينا.. بس كانت سبح شكلها جميل وباين عليها غالية!
ببص على السبحة بتاعتي لاقيت ملزوق فيها ورقة لونها فضي زي لون السبحة ومكتوب عليها:
وانتِ بتصلي.. فِ سورة الفاتحة ما توصِليش مابين آية {ولا الضآلين} ب (آمين)،
لأن آمين مش من الفاتحة فَـ مينفعش نوصِلها، خلي في سكتة بسيطة ما بينهم
ومينفعش تنسِ (بسم اللّٰه الرحمن الرحيم) لأنها بتكون آيه فِ الفاتحة.
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ.
وقتها قلبي كان هينط من الفرحة، وبقيت مستغربة الموقف جدًا وبقول: اشمعنا السبح؟
واشمعنا عمو اللي اديته فلوس دعالي بالرزق بالذات؟
محسيتش بنفسي غير وانا بعيط وبقول: يارحيم يارب!
لاقيت نفس البنت اللي وزعت علينا السبح طبطبت عليا وقالتلي:
فيكي حاجة؟
هزيت راسي بالنفي وضحكتلها.. لاقيتها ضغطت على إيدي وقالت:
قوليلي بس مالك يمكن أقدر أخفف عنك.. متحرمنيش الثواب!
لاقيتني بقولها على اللي حصلي وحسيت في وشها القبول.
أول ما خلصت كلامي بصت وقالتلي:
انتي كلية إيه؟
لاقيت وشها اتهلل من الفرحة وقالت: شايفة تدابير ربنا بقى؟
لسه هتكلم لاقيتها قاطعتني وقالت:
محتاجاكي معايا في الشغل!
قولتلها شغل إيه؟
ردت وقالت: جدي كان قاعد محاسب معانا في مصنع الملابس بتاعنا ولما م١ت حبينا نجيب مكانه بنت شاطرة بس حسيت إن مفيش حد هيحافظ على مالنا في الزمن ده، وانا حساكي أمينة.
تقبلي تشتغلي معانا؟
لاقيت نفسي بهز راسي بفرحة وانا ساكتة، مش عارفة أتكلم!
أحلامي كلها اتحقتت بصدقة واحدة بس طلعت بنية الإيثار على النفس، عشان فضّلت عمو على نفسي رزقني بالسبحة ورزقني بالشغل ورزقني بالخير
ارخي يدك بالصدقة تُرخى حبال المصائب من على عاتقك.
واعلم أن حاجتك إلى الصدقة أشد من حاجة من تتصدق عليه